الدولة الاسلامية بين المدنية والقبلية .. كيف نشأت ؟
صفحة 1 من اصل 1
الدولة الاسلامية بين المدنية والقبلية .. كيف نشأت ؟
ما هي الدولة ؟ سؤال لابد من طرحه قبل البحث عن تعريف لماهية الدولة المدنية أو غير المدنية وأيهم أقرب لمفهوم الدولة وأيهم لا يمت اليها بصله بل ربما يمثل خطرا علي وجودها نفسه !
الدولة هي كيان أعتباري اخترعه الإنسان المدني لدي تطوره الاجتماعي من حالة القبيلة إلي حالة الشعب حيث لزم له أن يقوم هذا الكيان لفض المنازعات وتحديد ضرورات الأمن والقيام عليها لصالح الشعب كله وضرورات الأمن تشمل توزيع مياة الري والبت في مسائل الخصومة علي المواريث والحقوق والديون والنسب والمال والملكيات إلي أخره ؛ كما تشمل الأمن القومي والتعامل مع الشعوب الأخري من خلال دولهم المؤسسة أيضا سواء كان التعامل سلما أو حربا
هذا التعريف البسيط يحدد أن الدولة بنت الشعب وليس بنت القبيلة وهذا أولا ؛ ولابد أن يكون واضحا في الأذهان أن القبليه لم تنشأ دولة مطلقا ولن تستطيع مستقبلا .
بمعنى أنه لكى توجد دولة حقيقية لابد ان يتلازم ذلك مع وجود شعب وليس قبيله ؛شعب متجانس منقسم إلي طبقات وليس قبئيل وعصبيات ... تلك هى الدولة كمايتحدث عنها كتاب تاريخ الدولة عبر العصور
ننتقل ثانيا للحديث عن الدولة المدنية والدولة الدينية ونحاول أن نفهم ما الذى يزيد من كفاءة هذا الكيان وما الذى يقلل من كفائته ؟
والدولة هنا أداة اجتماعية اخترعها الإنسان لصالحه وهذه هي النقطة الثانية والتي لا تقل أهمية عن الأولي " الدولة بنت الشعب
والدولة من ثم نشأت في مجتمع الطبقات ولهذا نجد الأمريكان يصنفون الدول في الشرق الأوسط إلي دول حقيقية ودول مصطنعة ؛ اما الدول الحقيقة فهي بالتحديد مصر وتونس وإيران فقط لأن هذه الدول بها مجتمع متجانس ومحدد في طبقات حسب مستوي المعيشة وليس لأي أسباب عرقية أو لونية أو دينية وبالتالى فالدولة فى تلك الاقطارمتطورة ومتجذرة
ولهذا فهي نفسها الدول التي سقطت أنظمتها المستبده بالمظاهرات الشعبية السلمية وخلال أسابيع فقط لأن الدولة قائمة وراسخة وليست متوقفة علي موظف هو رئيس الدولة ولهذا نستغرب ممن يقول إن الجيش في مصر يشكر إنه لم يستخدم العنف كما فى ليبيا وسوريا وهذا كلام يصدر فقط عندما نجهل مفهوم الدولة ؛ وإن مصر هي الدولة الحقيقية مع تونس في كل النطاق
العربى لآن الكيان الاعتباري المصري قائم منذ 7 الاف عام ويعمل دون توقف , لهذا فهو عندما يشل بالعصيان المدني يسقط الموظف اللذي علي رأسه ويخلي موقعه لمن يأتي بعده ببساطة ؛ فليست هناك قبيلة تمده بمليون مقاتل كما حدث مع القذافي أو علي صالح ؛ أو كما فى حالة بشار الأسد حيث الجيش له الولاء الكامل لشخصه ولحزبه ؛ اما جسم الدولة في مصر فينتمي لطبقات الشعب وليس لعائلة أو طائفه لأن المجتمع المصري ببساطه مجتمع حقيقي طبقي
ثالثا ما هي الدولة المدنية ؟ هي الدولة العلمانية ببساطة حيث الشعب-فقط- مصدر السلطات ؛ ولكى نعود بالامر الى الحالة الإسلامية الأولي " حالة المدينة " فهي وبمراجعة صحيفة المدينة بين الرسول "ص"وقبائل المدينة فهي عهد التزام قبلي وبالتالي فهي تشتمل علي مكون قبل الدولة بل وتجذر لهذا المكون وبالتالي فهي ليست دولة بأي معني ولو نظرنا مثلا لمشاكل الرسول "صلى الله عليه وسلم " مع اليهود فى يوم بنى قريظة وجدنا أن الذى حكم فيهم كان سعد بن معاذ لأن قبيلته حلفاء لبنى قريظة وبالتالي فأي مشكلة بين الرسول والمسلمين من جهة مع معاذ وجماعته يحكم فيها بنو قريظة وأي نزاع بين الرسول والمسلمين من جهة مع يهود بنى قريظة يحكم فيهم معاذ وهذة ليست دولة بأى معنى من المعانى مطلقا
وانما نوع من التحالف القبلي البدائي شبه المنظم وليس دولة ولا إرهاصة بدولة ؛ وانما نستطيع أن نسميها "حالة المدينة " وحالة المدينة اصطلاح استخدمته من فترة وهو أيضا موجود في كتابات محمد أركون لوصف التشكيلة الاجتماعية السياسية والمعتقدية لمجتمع الرسول " صلى الله عليه وسلم "بعد هجرته للمدينة وحتي وفاته .
في حالة المدينة لدينا مجتمع غير طبقي بشكل واضح بل تغلب عليه القبلية مع شكل بدائي من الطبقة تمثل في وضع ثروي لدي بعض تجار اليهود وزراعهم من أصحاب البساتين فضلا عن أثرياء الأوس والخزرج والمهاجرين مع الرسول ويمكن أن نصل بالتبصر القليل إلي أن حتي هذه الطبقية لم تستطع تكوين حالة شعب ؛ ببساطة لأنها تكتلت داخل منظومة القبيلة مرة أخري حيث تكتل أثرياء المهاجرين في العصب الأموي تحديدا وهؤلاء هم من استولوا علي كل السلطة لاحقا عندما تحولت لدولة " ليس في المدينة
ثانيا ظل الفرع الهاشمي عدا بني العباس ممثلين للتوزيعة القبلية المكية حيث هم أشراف بالمنصب الديني وليس بالمال وهكذا تداخل الاستقطاب الطبقي ليتحول مرة أخري إلي استقطاب عصبي وظلت الحال هكذا حتي استيلاء التشكيل علي عواصم هي أصلا دول قديمة وقائمة منذ ألاف السنين, إذا طبقا لشرط التمايز الطبقي فإن حالة المدينة هي مجرد حالة انتقالية بين القبلية والطبقية لم يحدث فيها تشكل طبقي واضح بينما بقيت القبلية وامتد عمرها حتي قيام دولة أل سعود في القرن العشرين حيث قامت محاولة عبد العزيز أل سعود توحيد جغرافية الجزيرة في حكم سياسي واحد علي شراء كلمة أولياء الأمر في القبائل المختلفة وكما يتضح من قسمة الثروة حيث الأنصبة المعلومة لقبائل بعينها في الثروة النفطية وهو ما يتم كما تتوزع الغنائم علي المحاربين لا كما تتوزع مداخيل دولة علي مواطنيها وهذا حدث في قلب جغرافية حالة المدينة بعد 13 قرن من الاسلام الاول فكيف يمكن الحديث عن أن التأسيس للدولة حصل بأي شكل في جزيرة العرب مع الإسلام الأول إذا كانت الجزيرة حتي اليوم محتفظة بالتشكيلة القبلية ولم تنجح في التحول إلي تشكيلة الطبقة حتي الأن بشكل حاسم علي الأقل!!
وبالنسبة لشرط التجانس والتشكيلة الشعبية فإن وثيقة صحيفة المدينة كما أسلفنا تبين اعتماد الحالة علي قوة النظام القبلي وتوظيفها لأدواته وقد تبدي ذلك بوضوح في مسألة الخصومه مع اليهود وعدم قدرة الرسول وأصحابه علي الحسم معهم بشكل مباشر دون الرجوع للتحالف القائم في المدينة من قبل مجئ الرسول إليها واعتماده علي ذلك التحالف كأداة وحيدة لفض المنازعات الحربية داخل المدينة وهو ما حصل في قريظة وخيبر بجلاء.
اما بالنسبة لمسلك الدولة تجاه مواطنيها وأليات إحداث التوازن الاجتماعي أو القيام بضرورات الأمن نجد حالة المدينة اعتمدت علي نوع من الاشتراكات السنوية وهو الزاكاة والذي ظل يحمل صفة الصدقة أيضا وهو بشكل ما لم يشمل جميع المدرجين في الصحيفة إذ اقتصر علي مسلميها فقط وتوزعت عوائده علي هؤلاء المسلمين تحديدا وبالتالي فإن حالة المدينة عرفت حكومة طائفية بمعني الكلمة ؛ حكومة تدير مالياتها حول تجمع شبه قبلي شبه طبقي يشمله فقط المعتقد الديني كعامل مشترك وحيد وفي هذا الإطار فإن حكومة المدينة لم تمارس أي دور تجاه المدينة كأرض وطن محدد إذ إنها لم تقم بإنارة الطرق ولم تشكل أي نوع من البوليس أو النظام القضائي الموحد والظاهر في هذا أن الصحيفة باعتمادها التوزرع القبلي تركت مساحة الولاية علي سكان المدينة موزعة بين القبيلة والحلف ولم تكن الحكومة المدينية سوي طرف ثالث بجانب هذين ؛حيث لم تكن تستطيع بالصدقة القاصرة علي المسلم أن تعين شرطيا أو قاضيا يبحث في مشكلات هؤلاء الذين لا يشتركون في دفع راتب القاضي والشرطي
لقد كانت حالة هلامية جدا ولم تحسم أبدا لأن الشروط الموضوعية لأحداث التحول من القبيلة إلي الطبقة ومن الحلف القبلي الديني إلي الشعب كانت تقتضي قيام نظام اجتماعي اقتصادي أخر غير التجارة المتنقلة والترحل البدوي وهو ما لم يبدأ إرهاصاته إلا بعد القفزة النفطية والتي لن تحدد مصير التحول الاجتماعي قبل مرور 100 سنة أخري من الأن كتقدير مستمد من التاريخ الاجتماعي للإنسانية.
وبالتالي فإن تكليف حكومة المدينة بجمع الصدقات ( الزكاة) وتوزيعها طائفيا يعني أن تظل الحالة كما هي ؛ أي تلك الحكومة واحدة من سلطات متعددة تتقاسم الولاية علي المجتمع ولا واحدة منها معنية بعمارة الأرض اللتي تحتهم كما رأينا فحتي عهد متأخر جدا وفي ظل الدول القديمة التي استولي علي حكمها العرب فقط, أمكن توفير نظام للعسس " الشرطة " والقضاء وبالتالي فدولة الإسلام ليست اختراعا ينتمي لحالة المدينة بل تجسيدا لشخصية دول أقدم قائمة بالفعل تم تعصيبها براية الإسلام بعد الفتوحات واستمر توظيفها بشكل طبيعي وبالتالي فهي محسوبة لمصر وسومر وبابل وفارس وسوريا وليس للمدينة والناظر في تاريخ الحضارة الإسلامية لن يستطيع أن يعثر علي مرصد أو مشفي أو سبيل أو أي بناء حضاري يؤكد رواية الحضارة الإسلامية الطالعة من حالة المدينة مطلقا.
والملاحظ في التاريخ الإسلامي ان حكومة المدينة كانت مكتملة الولاية علي مسلمي الصحيفة فقط بينما ما عداها كل لديه نظامه وعندما كان يقع تقاطع لدوائر الولاية الثلاث لأي سبب كان الحل هو اللجوء للعرف بنص القرأن" خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين" وكان الرسول "ص" يرفض التدخل في مشكلات من هم خارج ولايته من سكان المدينة بنص القرأن أيضا طالما لم يحدث تقاطع ولايات (بحدوث مشكلة بين يهودي ومسلم مثلا ) و هذا واضح في القرأن (يريدون أن يحكومك وعندهم التوراة فيها حكم الله) ولم يحدث أن قامت الحكومة الإسلامية بالولاية منفردة إلا عندما استولت علي الكيانات القائمة للدول القديمة في مصر والرافدين وسوريا وقتها تحولت القبيلة كنظام حكم إلي تجربة العائلة الملكية الحاكمة كما حدث في العصر العباسي والاموى متجسده فى جسم الدولة القديمة فى مصر وسومر وغيرها وبالتالي فالدولة لم تكن صناعة إسلامية مطلقا وهذا حكم التاريخ .
إن دولة تكتب في دستورها أنها مسلمة يعني أن تنشئ في كتلة قانونها المدني ما يخدم الإسلام والمسلمين دون أي أحد أخر وبالتالي فإنه من الدستوري أن يسن قانونا يمنع توظيف المسيحيين في وظائف قيادية أو حساسه كالمخابرات والأمن الوطني والقضاء وإذا لم تسن قوانين تميز إيجابيا المسلمين دون غيرهم تكون وضعت في دستور مادة بلا معني
أو أن تمتنع المحكمة عن نظر قضايا بين مسيحيين وإنشاء نظام قضائي تحت ولاية الكنيسة يختص بالمسيحيين وحدهم ؛ هذا يعني فقط موت الدولة وتمزق الولاء وسقوط الوطن كثابت من مكونات الدولة
وتيارات الإسلام السياسى تتحدث اليوم عن إن المسيحيين يحكموا بشريعتهم وهذا
يعني تقسيم مصر إلي أمصار قانونيا وتشريعيا وفي النهاية نفسيا وجغرافيا علي أرض الواقع ؛ ولا ننسى قانون الأمم المتحدة ينص علي حق تقرير المصير ... فقط عليك أن تتخيل الكارثة !
فى النهاية أقول أنى لو وضعت نفسى مكان الدوائر الاستعمارية فان
الإسلاميين عندي هم الخيار الأصلح والأقرب لمخططاتي ؛ صحيح أنهم يقومون ببعض المناوشات والشتائم وحرب الكلمات لكنهم فى النهاية سيوقعون صك الاستسلام ويبتسمون للكاميرات ابتسامة علي عثمان في نيفاشا!!
بـقـلـم .. د \ مـعـمـر نـصـار
الدولة هي كيان أعتباري اخترعه الإنسان المدني لدي تطوره الاجتماعي من حالة القبيلة إلي حالة الشعب حيث لزم له أن يقوم هذا الكيان لفض المنازعات وتحديد ضرورات الأمن والقيام عليها لصالح الشعب كله وضرورات الأمن تشمل توزيع مياة الري والبت في مسائل الخصومة علي المواريث والحقوق والديون والنسب والمال والملكيات إلي أخره ؛ كما تشمل الأمن القومي والتعامل مع الشعوب الأخري من خلال دولهم المؤسسة أيضا سواء كان التعامل سلما أو حربا
هذا التعريف البسيط يحدد أن الدولة بنت الشعب وليس بنت القبيلة وهذا أولا ؛ ولابد أن يكون واضحا في الأذهان أن القبليه لم تنشأ دولة مطلقا ولن تستطيع مستقبلا .
بمعنى أنه لكى توجد دولة حقيقية لابد ان يتلازم ذلك مع وجود شعب وليس قبيله ؛شعب متجانس منقسم إلي طبقات وليس قبئيل وعصبيات ... تلك هى الدولة كمايتحدث عنها كتاب تاريخ الدولة عبر العصور
ننتقل ثانيا للحديث عن الدولة المدنية والدولة الدينية ونحاول أن نفهم ما الذى يزيد من كفاءة هذا الكيان وما الذى يقلل من كفائته ؟
والدولة هنا أداة اجتماعية اخترعها الإنسان لصالحه وهذه هي النقطة الثانية والتي لا تقل أهمية عن الأولي " الدولة بنت الشعب
والدولة من ثم نشأت في مجتمع الطبقات ولهذا نجد الأمريكان يصنفون الدول في الشرق الأوسط إلي دول حقيقية ودول مصطنعة ؛ اما الدول الحقيقة فهي بالتحديد مصر وتونس وإيران فقط لأن هذه الدول بها مجتمع متجانس ومحدد في طبقات حسب مستوي المعيشة وليس لأي أسباب عرقية أو لونية أو دينية وبالتالى فالدولة فى تلك الاقطارمتطورة ومتجذرة
ولهذا فهي نفسها الدول التي سقطت أنظمتها المستبده بالمظاهرات الشعبية السلمية وخلال أسابيع فقط لأن الدولة قائمة وراسخة وليست متوقفة علي موظف هو رئيس الدولة ولهذا نستغرب ممن يقول إن الجيش في مصر يشكر إنه لم يستخدم العنف كما فى ليبيا وسوريا وهذا كلام يصدر فقط عندما نجهل مفهوم الدولة ؛ وإن مصر هي الدولة الحقيقية مع تونس في كل النطاق
العربى لآن الكيان الاعتباري المصري قائم منذ 7 الاف عام ويعمل دون توقف , لهذا فهو عندما يشل بالعصيان المدني يسقط الموظف اللذي علي رأسه ويخلي موقعه لمن يأتي بعده ببساطة ؛ فليست هناك قبيلة تمده بمليون مقاتل كما حدث مع القذافي أو علي صالح ؛ أو كما فى حالة بشار الأسد حيث الجيش له الولاء الكامل لشخصه ولحزبه ؛ اما جسم الدولة في مصر فينتمي لطبقات الشعب وليس لعائلة أو طائفه لأن المجتمع المصري ببساطه مجتمع حقيقي طبقي
ثالثا ما هي الدولة المدنية ؟ هي الدولة العلمانية ببساطة حيث الشعب-فقط- مصدر السلطات ؛ ولكى نعود بالامر الى الحالة الإسلامية الأولي " حالة المدينة " فهي وبمراجعة صحيفة المدينة بين الرسول "ص"وقبائل المدينة فهي عهد التزام قبلي وبالتالي فهي تشتمل علي مكون قبل الدولة بل وتجذر لهذا المكون وبالتالي فهي ليست دولة بأي معني ولو نظرنا مثلا لمشاكل الرسول "صلى الله عليه وسلم " مع اليهود فى يوم بنى قريظة وجدنا أن الذى حكم فيهم كان سعد بن معاذ لأن قبيلته حلفاء لبنى قريظة وبالتالي فأي مشكلة بين الرسول والمسلمين من جهة مع معاذ وجماعته يحكم فيها بنو قريظة وأي نزاع بين الرسول والمسلمين من جهة مع يهود بنى قريظة يحكم فيهم معاذ وهذة ليست دولة بأى معنى من المعانى مطلقا
وانما نوع من التحالف القبلي البدائي شبه المنظم وليس دولة ولا إرهاصة بدولة ؛ وانما نستطيع أن نسميها "حالة المدينة " وحالة المدينة اصطلاح استخدمته من فترة وهو أيضا موجود في كتابات محمد أركون لوصف التشكيلة الاجتماعية السياسية والمعتقدية لمجتمع الرسول " صلى الله عليه وسلم "بعد هجرته للمدينة وحتي وفاته .
في حالة المدينة لدينا مجتمع غير طبقي بشكل واضح بل تغلب عليه القبلية مع شكل بدائي من الطبقة تمثل في وضع ثروي لدي بعض تجار اليهود وزراعهم من أصحاب البساتين فضلا عن أثرياء الأوس والخزرج والمهاجرين مع الرسول ويمكن أن نصل بالتبصر القليل إلي أن حتي هذه الطبقية لم تستطع تكوين حالة شعب ؛ ببساطة لأنها تكتلت داخل منظومة القبيلة مرة أخري حيث تكتل أثرياء المهاجرين في العصب الأموي تحديدا وهؤلاء هم من استولوا علي كل السلطة لاحقا عندما تحولت لدولة " ليس في المدينة
ثانيا ظل الفرع الهاشمي عدا بني العباس ممثلين للتوزيعة القبلية المكية حيث هم أشراف بالمنصب الديني وليس بالمال وهكذا تداخل الاستقطاب الطبقي ليتحول مرة أخري إلي استقطاب عصبي وظلت الحال هكذا حتي استيلاء التشكيل علي عواصم هي أصلا دول قديمة وقائمة منذ ألاف السنين, إذا طبقا لشرط التمايز الطبقي فإن حالة المدينة هي مجرد حالة انتقالية بين القبلية والطبقية لم يحدث فيها تشكل طبقي واضح بينما بقيت القبلية وامتد عمرها حتي قيام دولة أل سعود في القرن العشرين حيث قامت محاولة عبد العزيز أل سعود توحيد جغرافية الجزيرة في حكم سياسي واحد علي شراء كلمة أولياء الأمر في القبائل المختلفة وكما يتضح من قسمة الثروة حيث الأنصبة المعلومة لقبائل بعينها في الثروة النفطية وهو ما يتم كما تتوزع الغنائم علي المحاربين لا كما تتوزع مداخيل دولة علي مواطنيها وهذا حدث في قلب جغرافية حالة المدينة بعد 13 قرن من الاسلام الاول فكيف يمكن الحديث عن أن التأسيس للدولة حصل بأي شكل في جزيرة العرب مع الإسلام الأول إذا كانت الجزيرة حتي اليوم محتفظة بالتشكيلة القبلية ولم تنجح في التحول إلي تشكيلة الطبقة حتي الأن بشكل حاسم علي الأقل!!
وبالنسبة لشرط التجانس والتشكيلة الشعبية فإن وثيقة صحيفة المدينة كما أسلفنا تبين اعتماد الحالة علي قوة النظام القبلي وتوظيفها لأدواته وقد تبدي ذلك بوضوح في مسألة الخصومه مع اليهود وعدم قدرة الرسول وأصحابه علي الحسم معهم بشكل مباشر دون الرجوع للتحالف القائم في المدينة من قبل مجئ الرسول إليها واعتماده علي ذلك التحالف كأداة وحيدة لفض المنازعات الحربية داخل المدينة وهو ما حصل في قريظة وخيبر بجلاء.
اما بالنسبة لمسلك الدولة تجاه مواطنيها وأليات إحداث التوازن الاجتماعي أو القيام بضرورات الأمن نجد حالة المدينة اعتمدت علي نوع من الاشتراكات السنوية وهو الزاكاة والذي ظل يحمل صفة الصدقة أيضا وهو بشكل ما لم يشمل جميع المدرجين في الصحيفة إذ اقتصر علي مسلميها فقط وتوزعت عوائده علي هؤلاء المسلمين تحديدا وبالتالي فإن حالة المدينة عرفت حكومة طائفية بمعني الكلمة ؛ حكومة تدير مالياتها حول تجمع شبه قبلي شبه طبقي يشمله فقط المعتقد الديني كعامل مشترك وحيد وفي هذا الإطار فإن حكومة المدينة لم تمارس أي دور تجاه المدينة كأرض وطن محدد إذ إنها لم تقم بإنارة الطرق ولم تشكل أي نوع من البوليس أو النظام القضائي الموحد والظاهر في هذا أن الصحيفة باعتمادها التوزرع القبلي تركت مساحة الولاية علي سكان المدينة موزعة بين القبيلة والحلف ولم تكن الحكومة المدينية سوي طرف ثالث بجانب هذين ؛حيث لم تكن تستطيع بالصدقة القاصرة علي المسلم أن تعين شرطيا أو قاضيا يبحث في مشكلات هؤلاء الذين لا يشتركون في دفع راتب القاضي والشرطي
لقد كانت حالة هلامية جدا ولم تحسم أبدا لأن الشروط الموضوعية لأحداث التحول من القبيلة إلي الطبقة ومن الحلف القبلي الديني إلي الشعب كانت تقتضي قيام نظام اجتماعي اقتصادي أخر غير التجارة المتنقلة والترحل البدوي وهو ما لم يبدأ إرهاصاته إلا بعد القفزة النفطية والتي لن تحدد مصير التحول الاجتماعي قبل مرور 100 سنة أخري من الأن كتقدير مستمد من التاريخ الاجتماعي للإنسانية.
وبالتالي فإن تكليف حكومة المدينة بجمع الصدقات ( الزكاة) وتوزيعها طائفيا يعني أن تظل الحالة كما هي ؛ أي تلك الحكومة واحدة من سلطات متعددة تتقاسم الولاية علي المجتمع ولا واحدة منها معنية بعمارة الأرض اللتي تحتهم كما رأينا فحتي عهد متأخر جدا وفي ظل الدول القديمة التي استولي علي حكمها العرب فقط, أمكن توفير نظام للعسس " الشرطة " والقضاء وبالتالي فدولة الإسلام ليست اختراعا ينتمي لحالة المدينة بل تجسيدا لشخصية دول أقدم قائمة بالفعل تم تعصيبها براية الإسلام بعد الفتوحات واستمر توظيفها بشكل طبيعي وبالتالي فهي محسوبة لمصر وسومر وبابل وفارس وسوريا وليس للمدينة والناظر في تاريخ الحضارة الإسلامية لن يستطيع أن يعثر علي مرصد أو مشفي أو سبيل أو أي بناء حضاري يؤكد رواية الحضارة الإسلامية الطالعة من حالة المدينة مطلقا.
والملاحظ في التاريخ الإسلامي ان حكومة المدينة كانت مكتملة الولاية علي مسلمي الصحيفة فقط بينما ما عداها كل لديه نظامه وعندما كان يقع تقاطع لدوائر الولاية الثلاث لأي سبب كان الحل هو اللجوء للعرف بنص القرأن" خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين" وكان الرسول "ص" يرفض التدخل في مشكلات من هم خارج ولايته من سكان المدينة بنص القرأن أيضا طالما لم يحدث تقاطع ولايات (بحدوث مشكلة بين يهودي ومسلم مثلا ) و هذا واضح في القرأن (يريدون أن يحكومك وعندهم التوراة فيها حكم الله) ولم يحدث أن قامت الحكومة الإسلامية بالولاية منفردة إلا عندما استولت علي الكيانات القائمة للدول القديمة في مصر والرافدين وسوريا وقتها تحولت القبيلة كنظام حكم إلي تجربة العائلة الملكية الحاكمة كما حدث في العصر العباسي والاموى متجسده فى جسم الدولة القديمة فى مصر وسومر وغيرها وبالتالي فالدولة لم تكن صناعة إسلامية مطلقا وهذا حكم التاريخ .
إن دولة تكتب في دستورها أنها مسلمة يعني أن تنشئ في كتلة قانونها المدني ما يخدم الإسلام والمسلمين دون أي أحد أخر وبالتالي فإنه من الدستوري أن يسن قانونا يمنع توظيف المسيحيين في وظائف قيادية أو حساسه كالمخابرات والأمن الوطني والقضاء وإذا لم تسن قوانين تميز إيجابيا المسلمين دون غيرهم تكون وضعت في دستور مادة بلا معني
أو أن تمتنع المحكمة عن نظر قضايا بين مسيحيين وإنشاء نظام قضائي تحت ولاية الكنيسة يختص بالمسيحيين وحدهم ؛ هذا يعني فقط موت الدولة وتمزق الولاء وسقوط الوطن كثابت من مكونات الدولة
وتيارات الإسلام السياسى تتحدث اليوم عن إن المسيحيين يحكموا بشريعتهم وهذا
يعني تقسيم مصر إلي أمصار قانونيا وتشريعيا وفي النهاية نفسيا وجغرافيا علي أرض الواقع ؛ ولا ننسى قانون الأمم المتحدة ينص علي حق تقرير المصير ... فقط عليك أن تتخيل الكارثة !
فى النهاية أقول أنى لو وضعت نفسى مكان الدوائر الاستعمارية فان
الإسلاميين عندي هم الخيار الأصلح والأقرب لمخططاتي ؛ صحيح أنهم يقومون ببعض المناوشات والشتائم وحرب الكلمات لكنهم فى النهاية سيوقعون صك الاستسلام ويبتسمون للكاميرات ابتسامة علي عثمان في نيفاشا!!
بـقـلـم .. د \ مـعـمـر نـصـار
وليد سامى- جديد
- رقم العضويه : 30
عدد المساهمات : 11
نقاط : 33
تاريخ التسجيل : 12/09/2010
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى