المنهج الاسلامي
صفحة 1 من اصل 1
المنهج الاسلامي
لعلّه من المناسب هنا التأكيد على عدم دقّة ما يشير اليه البعض من أنّ مرجعيّـة سيف الدّولة الفكريّة والفلسفيّة آرتبطت بالغرب أكثر من ارتباطها بالفكر العربي الاسلامي ، فعلى العكس من ذلك تماما ، لم يكن الحضور البارز للفكر الغربي في أعمال سيف الدّولة الاّ نتيجة لآستجابته للتحـدّي البارز "للعلم" في عطاءات وتجارب هذا الفكر الذّي كان ولا يزال شديد التأثير في اتجاهات الفكر العربي والاسلامي ذاته ... وانّ قبوله لهذا التحدّي الحضاري الكبير وخوضه لصراعاته بأدواته (العلم) ليس الاّ شكلا من أشكال المحافظة على التّراث الفكري العربي الاسلامي وتنميته .
" فالعودة الى التّراث ليست كلمة تقال ، بل جهدا يبذل في معركة ضارية نخوضها ضدّ الذين يريدون أن يقطعوا جذورنا وأن يسلخونا من ذلك التّراث " (5). ثمّ انّ تبنّيه لبعض الحقائق العلميّة التي اكتشفها الغرب لا ينطلق من " مركّـب نقـص" ، بل ينطلـق من حقيقـة أنّنـا والغــرب شركـاء في التّـراث الانسانـي ، " فكما حملنا بذور المعرفة عمن سبقونا ، ونمّيناها ثمّ نقلناها الى الغرب ، تلقّاها الغرب فنمّوها ، فاذا بنا نلتقي بهــا مـرّة أخـرى متطـوّرة أغنـى في المضمـون وأتقــن في الصّنعـة" (6) ... وهكــذا فانّ الاطار المرجعي الحقيقي لأعمال سيف الدّولة هو "العلم" ومجلوباته ، "العلم" بالمعنـى الذي حدّده القاضي الباقلاني في بداية القرن الحادي عشر ميلادي : " معرفة المعلوم على ما هو به" ...
وفاء منه بالمسؤوليّة التّي ترك الاسلام للمسلمين مسؤوليّة الوفاء بها : استكمال أسس المنهج الاسلامي واستعماله ... والمنهج الاسلامي هو منهج المسلمين في التطوّر الاجتماعي أو "منطق" التطوّر الاجتماعي في الفكر الاسلامي وهو يتضمّن ثلاث قواعد :
1- انّ كلّ الأشياء والظّواهر منضبطة حركتها بقوانين أو نواميس حتميّة (السّنن)... (ولا تجد لسنتنا تبديلا) الإسراء آية 77 ../ (ان هذه تذكرة لمن شاء اتّخذ الى ربّه سبيلا وما تشاؤون الاّ أن يشاء اللّه) الانسان آية 29 . (مشيئة الله متجسدة في حتمية سننه) ...
2- في نطاق هذه الحتميّة يكون الانسان حرّا في تغيير واقعه ...(وقل الحقّ من ربّكم،فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) الكهف آية 29 ...(ولا تجزون الاّ ما كنتم تعملون) يس آية 54 ...
3- الانسان وحده هو القادر على التّغيير على الأرض التّي آستخلف فيها وهوالمسؤول عنه . ويستعمل القرآن هنا تعبير السّخرة للدّلالة على قيادة الانسان للتطوّر (وسخــّر لكم ما في السّماوات وما في الأرض جميعــا) الجاثية آية 13 (انّ اللّه لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم) الرّعد آية 11 ...
على هدي هذا المنهج : استطاعت قلّة من المسلمين أن تبدأ واحدة من أعمق الثّورات أثرا في تاريخ البشريّة ، وآستطاعت شعوب بكاملها أن تنتقل من بداوة الجاهليّة الأولى الى بناء حياة حضاريّة كانت في ظروفها التاريخيّة تفوّقا فذّا ... وخلال قرون طويلة من الممارسة ، استقرّ المنهج في وعي النّاس فأصبح "قيمة" تضبط مواقفهم دون حاجة الى اسناد ديني ... هذا هو تراثنا الذي بعدنا عنه فقط يوم أن فقدنا حرّيتنا ... ومنهج "جدل الانسان" ليس أكثر من آستخدام "العلم" أو البحث العلمي في تطوير وبلورة المنهج الاسلامي ...
ــــــــــــــــــ
(5) (نظريّة الثّورة العربيّة ج3 : المنطلقات ص 70 دار المسيرة بيروت 1979)
(6) (المصدر الساّبق ص71)
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى